في عالم الإدارة والقيادة، يعتقد الكثيرون أن النجاح مرهون بالقدرة على تقديم الإجابات السريعة والحلول المباشرة. لكن الحقيقة أن القادة الأكثر تأثيرًا لا يملكون دائمًا الإجابة، بل يعرفون كيف يطرحون السؤال الصحيح في اللحظة المناسبة. فالسؤال الجيد لا يكشف الحقائق فقط، بل يفتح مسارات جديدة للفهم، ويحفّز التفكير الجماعي، ويعيد ترتيب الأولويات.
السؤال الذي يغيّر مجرى الحوار
تخيّل اجتماعًا متوتّرًا لمشروع متأخر وبميزانية منهكة. قد يسارع البعض إلى إلقاء اللوم أو البحث عن تبريرات، لكن القائد الحكيم يتوقّف ويسأل: ما الذي يقف حقًا في طريقنا؟
بهذا السؤال البسيط، يتحول الحوار من الدفاعية واللوم إلى البحث عن الحلول الفعلية.
دروس من قادة عالميين
- دوغ كونانت – كامبل سوب: حين تولى القيادة، كان مستوى الرضا في أدنى درجاته. لم يبدأ بخطط معقدة، بل بمحادثات مباشرة مع الموظفين. سألهم: ما الذي يمنعك من أداء عملك بأفضل صورة؟ وبفضل هذه البساطة، استطاع أن يستعيد الثقة ويقود تحولًا عميقًا.
- ستيف جوبز – آبل: في اجتماع مليء بالمشاريع، أوقف فريقه وسأل: أي من هذه المشاريع نؤمن به فعلًا؟ لحظة صمت أعقبها قرار مصيري بتقليص 70% من المنتجات والتركيز على ما هو أساسي، وكانت تلك بداية عودة آبل للريادة.
- هيرب كيليهر – ساوث ويست: وسط نقاش طويل حول إضافة وجبة جديدة على متن الطائرة، سأل: هل هذا القرار يساعدنا أن نكون شركة الطيران الأرخص؟ الجواب كان لا، وانتهى الجدل فورًا.
هذه النماذج تعكس كيف أن السؤال الموجّه يمكن أن يكشف ما هو أساسي ويقطع الطريق على الضبابية.
فن صياغة السؤال
السؤال الفعّال ليس عفويًا بالكامل؛ بل يحتاج إلى وضوح هدف، ودقة في الصياغة، وتوقيت مناسب. ومن أبرز القواعد:
- كن واضحًا في الغرض: هل تسعى إلى كشف عقبة، تحديد أولوية، أم تحفيز الفريق؟
- اسأل سؤالًا واحدًا في كل مرة، ولا تخلطه برزمة أسئلة تربك الطرف الآخر.
- تحدَّ الافتراضات: لا تقبل بالإجابات الجاهزة، بل احفر أعمق.
- اصبر على الصمت: في كثير من الأحيان تأتي أذكى الإجابات بعد لحظات من التفكير.
- اشرك الجميع: الأسئلة تفتح الباب للمشاركة، وتمنح الفريق شعورًا بالملكية تجاه القرار.
سؤال قد يغيّر مسارك
في المرة القادمة التي تواجه تحديًا معقدًا، لا تتسرع إلى تقديم الحل. اسأل: ما الذي لا نراه بعد؟ أو كيف يمكننا إعادة صياغة المشكلة بطريقة مختلفة؟
قد تكتشف أن السؤال الصحيح هو البوصلة التي تعيد الفريق إلى المسار الصحيح.
في النهاية، القيادة ليست مجرد امتلاك الإجابة الصحيحة، بل امتلاك الشجاعة لطرح السؤال الذي يوجّه البوصلة. أحيانًا، يكون السؤال أهم من أي إجابة.