القائد الاستراتيجي للمشاريع: لماذا تحتاجه كل مؤسسة.. ومنذ الأمس!
ضرورة لكل قيادي ومحترف مشاريع لصناعة ميزة تنافسية
بقلم: فولـا ف. ألبي – مرشّحة دكتوراه، حاصلة على MBA وPMP وPMI-ACP – إعادة التفكير في إدارة المشاريع لسد فجوة الاستراتيجية والقيمة، ورفع نسبة نجاح المشاريع بالقيادة الاستراتيجية.
المقدمة
تشهد إدارة المشاريع تحولًا جذريًا. فقد أصبحت بيئة الأعمال العالمية أكثر تقلبًا وغموضًا وتعقيدًا. ومع ذلك، ما زالت العديد من المؤسسات تتعامل مع إدارة المشاريع بوصفها ممارسة ميكانيكية تركّز على تنفيذ المهام في الوقت المحدد وضمن الميزانية. وحتى عندما تتبع الفرق الإرشادات بدقة، قد تفشل المشاريع رغم ذلك. إن المثلث التقليدي: النطاق، الوقت، التكلفة—الذي وُضع قبل نصف قرن—لم يُصمّم لأسواق اليوم الديناميكية. بل تشير الأبحاث إلى أن تحقيق هذه الأهداف التشغيلية لا يعني بالضرورة نجاحًا تجاريًا؛ فبعض المشاريع المتأخرة والمكلفة قد تحقق قيمة ضخمة في النهاية.
اليوم العالمي لإدارة المشاريع: دعوة شخصية للتحرك
يحتفل مجتمع إدارة المشاريع حول العالم بـ اليوم الدولي لإدارة المشاريع تكريمًا لمن يحولون الأفكار إلى واقع. يأتي هذا الاحتفال هذا العام في ظل اضطراب عالمي، ومبادرات متعثّرة، وحاجة ملحة للتغيير. ومن وجهة نظري، فهو الوقت المثالي للنظر في المرآة. لا يمكننا الاستمرار في الاحتفاء بالتسليم ضمن النطاق والوقت والميزانية بينما نتجاهل السؤال الأهم: هل ما ننجزه يخلق قيمة؟
أنا لا أتحدث من الهامش. فقد كنت أحد المساهمين في تقرير Pulse of the Profession 2025 الصادر عن PMI، حيث تم الاستشهاد بمساهمتي حول أهمية الفطنة التجارية ودورها في تقييم التأثيرات والتنبؤ بالمخاطر وفضّ النزاعات. لقد تشكّل هذا المنظور من خلال تجربة عملية صعبة.
في وقت مبكر من مسيرتي المهنية، أدرت مشروعًا تقنيًا معقدًا حقق كل مؤشر في مخطط Gantt، لكنه فشل في النهاية لأنه حلّ المشكلة الخطأ. قمنا بتسليم المنتج المطلوب من القيادة، لكننا تجاهلنا تغيّر استراتيجية المؤسسة واحتياجات العملاء. وكان انهيار معنويات الفريق بعد ذلك درسًا قاسيًا: "التسليم في الوقت والميزانية" لا يساوي شيئًا إذا لم يحقق المشروع قيمة.
وفقًا لتقرير PMI Pulse 2025، فإن 18% فقط من محترفي المشاريع يمتلكون فطنة تجارية عالية، ومع ذلك يتفوقون على غيرهم بشكل كبير. كما أن المشاريع ذات معايير النجاح الواضحة وأنظمة القياس القوية تحقق نجاحًا مضاعفًا مقارنة بغيرها. ويؤكد التقرير أيضًا أن الفطنة التجارية تعزز اتخاذ القرار الاستراتيجي، وتحسن إدارة توقعات أصحاب المصلحة، وتزيد من فعالية إدارة المخاطر.
بمعنى آخر: التفكير الاستراتيجي وربط المشاريع بأهداف الأعمال هو الفارق بين خلق القيمة.. والفشل.
على الجانب الآخر
تخسر بعض المؤسسات قيمة ضخمة دون أن تدرك. إذ يفشل حوالي 14% من المشاريع كليًا، بينما 31% أخرى لا تحقق أهدافها أو تتعرض للتأخير وتجاوز الميزانيات. وتشمل الأسباب: ضعف المواءمة الاستراتيجية، ضعف إدارة المخاطر، ونقص الدعم التنفيذي.
لذلك، فإن اليوم العالمي لإدارة المشاريع ليس مناسبة احتفالية بقدر ما هو دعوة ملحّة لإعادة التفكير في قيمة إدارة المشاريع بمنظور استراتيجي.
هذه المهنة منحتني أدوات قيادة التغيير، لكنها علّمتني أيضًا كلفة الركود. يجب على كل محترف مشاريع—سواء أدار مكتب مشاريع PMO أو مشروعًا صغيرًا—أن يتبنّى دور القائد الاستراتيجي للمشاريع.
هذا هو الدور الذي نحتاجه.. الآن.
من التنفيذ التكتيكي إلى القيادة الاستراتيجية
في بداياتها، كانت إدارة المشاريع وظيفة تكتيكية تُنفذ وفق خطط خطية مثل Waterfall. كان مديرو المشاريع يركزون على الإدارة والرقابة: الجداول، الموارد، الميزانيات.
مع تطور الصناعات، لم يعد هذا كافيًا. ظهرت المناهج المرنة Agile، وبدأت الجهات المهنية بتطوير discipline رسمي يركز على الاتصال والمخاطر. وأصبحت المؤسسات تدرك أن المشاريع يجب أن ترتبط بالاستراتيجية، مما أدى إلى ظهور PMOs.
لكن كانت هناك حاجة لتحول أعمق.
قدّم Shenhar وDvir مفهوم القيادة الاستراتيجية للمشاريع، التي تدمج بين الاستراتيجية والأعمال والإلهام والتكيف. وأشارا إلى أن العديد من المؤسسات ما تزال تعتمد نمط "مقاس واحد يناسب الجميع" رغم أن المشاريع الحديثة تختلف في عدم اليقين والتعقيد. كما شددا على أن النجاح الحقيقي لا يقاس بالمثلث التقليدي، بل بتحقيق الأهداف التجارية.
بمعنى أدق: يجب أن يتطور مدير المشروع ليصبح قائدًا ذا وعي استراتيجي قادرًا على صياغة رؤية وإلهام الفرق والتكيف مع السياقات المتغيرة.
من هو القائد الاستراتيجي للمشاريع؟
هو قائد يجمع بين مهارات إدارة المشاريع والعقلية التجارية للقياديين. وتقوم كفاءاته على:
- التفكير الاستراتيجي والفطنة التجارية
- الرؤية والإلهام
- القيادة التكيفية
- مواءمة أصحاب المصلحة
- اتخاذ القرار المبني على البيانات
- تنفيذ الاستراتيجية بمرونة
- التركيز على القيمة طويلة الأمد
الجدول المقارن
| مدير مشروع تقليدي | قائد مشروع استراتيجي |
|---|---|
| يركز على الوقت والميزانية والنطاق | يركز على القيمة والمواءمة الاستراتيجية والنتائج |
| يستخدم منهجية واحدة | يخصص النهج وفق طبيعة المشروع |
| يعمل وفق توجيهات الإدارة | يؤثر في الاستراتيجية عبر رؤى المشاريع |
| يقيس النجاح بالمخرجات | يقيس النجاح بالأثر وطويل الأمد |
| سلطة محدودة | قائد مؤثر يعبر المستويات التنظيمية |
| إدارة مخاطر تفاعلية | استباقية وديناميكية |
| يركز على وثائق المشروع | يركز على business case والتغيرات الاستراتيجية |
التغيير ليس للجميع
هذا التحول مناسب فقط للقادة الطموحين والمؤسسات المتقدمة التي تسعى للتميز والارتقاء نحو C-suite.
لماذا تحتاجه كل مؤسسة؟
1. العائد والأداء
المؤسسات الساعية للميزة التنافسية تدمج هذا الدور ضمن مكاتب التحول وPMOs. وتشير البيانات إلى أن أصحاب الفطنة التجارية، كما في تقرير PMI Pulse 2025، يستخدمون مؤشرات أداء أكثر، ويحققون نتائج أقوى، ويأخذون في الاعتبار جودة العمل، رضا العملاء، والمواءمة الاستراتيجية.
2. التحول السلوكي – Insights من علم الأعصاب
القادة الاستراتيجيون يتفوقون بسبب الرشاقة المعرفية والذكاء العاطفي والوعي السلوكي.
3. مقاييس القيمة الاستراتيجية
لم تعد مؤشرات الوقت والكلفة والنطاق كافية. وتدعو ماكينزي وPMI إلى اعتماد مؤشرات مثل الاستدامة ورضا أصحاب المصلحة والعائد الاستراتيجي.
4. تعقيد وابتكار وعدم يقين
بيئة VUCA تستدعي قادة قادرين على التنبؤ والتكيف.
5. سد فجوة الاستراتيجية والتنفيذ
تشير بيانات PMI إلى أن المؤسسات التي تنجز هذا الربط تحقق أهدافها بنسبة أعلى بكثير.
6. معالجة وباء فشل المشاريع
14% فشل كامل
31% فشل جزئي
والقائد الاستراتيجي يعالج الأسباب الجذرية: المخاطر، المواءمة، الدعم التنفيذي.
خطة العمل
توصي الكاتبة بـ:
- تنمية الفطنة التجارية
- إعادة تعريف مقاييس النجاح
- تمكين القادة
- دمج الاستدامة
- تعزيز ثقافة التعلّم
- الاستثمار في التطوير القيادي الاستراتيجي
الخلاصة
المشاريع هي المحرك الذي يترجم الاستراتيجية إلى واقع. والاعتماد على منهجيات الأمس يؤدي لإضاعة الموارد وتعطّل الاستراتيجيات. بينما يفتح القائد الاستراتيجي الباب نحو إدارة مشاريع أكثر ذكاءً، قيمةً، وتكاملاً.
كل مؤسسة تحتاج إلى قائد استراتيجي للمشاريع.. ليس غدًا، بل منذ الأمس.




