يُعَدّ قطاع المشاريع الإنشائية من أكثر القطاعات تعقيدًا وحساسية، نظرًا لتعدد الأطراف المشاركة فيه وتشابك المهام بين المهندسين والمقاولين والمشرفين. ويُفترض أن يُمارس الاستشاري دور الإشراف المباشر لضمان جودة التنفيذ وسلامة العمليات اليومية في الموقع. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تحولًا متزايدًا نحو نمط الإشراف غير المباشر، حيث يُكتفى بالزيارات الدورية ورفع التقارير دون تواجد يومي مستمر. هذا التحول، رغم أنه قد يُقلل التكاليف التشغيلية، إلا أنه يحمل تحديات حقيقية تؤثر على جودة التنفيذ ونجاح المشروع.
ضعف الرقابة والتوجيه
يُعتبر ضعف الرقابة من أبرز عيوب الإشراف غير المباشر. فعندما يقتصر دور الاستشاري على الزيارات المتباعدة، يفقد الفريق التنفيذي الدعم الفوري اللازم لتصحيح الأخطاء أو تفسير التفاصيل الفنية.
تشير دراسة لمؤسسة McKinsey إلى أن نحو 30% من المشاريع الإنشائية تتأخر بسبب ضعف المتابعة والرقابة.
الإشراف المباشر لا يعني فقط المراقبة، بل يشمل التوجيه اليومي، وتقديم الحلول الميدانية، وضمان تطبيق المعايير الهندسية بدقة منذ اللحظة الأولى.
تراكم الأخطاء والمشكلات
الاكتفاء بالتقارير الدورية يؤدي غالبًا إلى تأخر اكتشاف المشكلات الفنية، مما يجعل معالجتها أكثر تعقيدًا وكلفة.
تقرير صادر عن Deloitte يشير إلى أن 50% من المشاريع تتجاوز ميزانيتها بسبب مشاكل لم تُكتشف في الوقت المناسب.
كل يوم يتأخر فيه اكتشاف الخطأ يزيد من احتمالية تفاقمه، ويضعف فرص الالتزام بالجدول الزمني للمشروع. المتابعة المستمرة هي خط الدفاع الأول ضد هذه التحديات.
ضعف التواصل بين الأطراف
تُعد المشاريع الإنشائية بيئة معقدة تتطلب تنسيقًا عاليًا بين عدة جهات. ومع غياب الإشراف اليومي، يتراجع التواصل بين فرق العمل، ما يؤدي إلى سوء فهمٍ أو تضاربٍ في القرارات.
تشير الإحصاءات إلى أن 70% من المشاريع تعاني من مشاكل ناتجة عن ضعف التواصل.
وجود الاستشاري ميدانيًا يعزز من تبادل المعلومات الفوري، ويخلق ثقافة عمل قائمة على الشفافية والتعاون، وهي عناصر جوهرية لاستقرار المشروع.
فقدان الثقة بين الأطراف
عندما يغيب المشرف لفترات طويلة، يشعر المقاولون والعمال بأنهم يعملون دون إشراف كافٍ، مما يُضعف روح الالتزام والثقة في القرارات الصادرة من الاستشاري.
الثقة المتبادلة هي العمود الفقري لأي مشروع ناجح؛ فهي تُعزّز الدافعية وتضمن الالتزام بالمعايير المهنية.
الإشراف المستمر يخلق علاقة أكثر توازنًا بين الاستشاري والمقاول، ويُظهر حرص الاستشاري على الجودة لا على الإجراءات فقط.
نحو إشراف أكثر فعالية
الحل الأمثل يتمثل في العودة إلى الإشراف المباشر، مع وجود عدد كافٍ من المهندسين الميدانيين من مختلف التخصصات.
هذا النهج يتيح التوجيه الفوري، ومراقبة الجودة، والكشف المبكر عن المشكلات قبل أن تتحول إلى أزمات.
بحسب دراسة صادرة عن Construction Industry Institute، فإن الإشراف المباشر يُحسن جودة التنفيذ بنسبة تصل إلى 25% ويُقلل معدل الأخطاء بشكل ملموس.
الإشراف المباشر ليس رفاهية مهنية، بل هو أداة استراتيجية لضمان الجودة وتحقيق النجاح. فالتواجد اليومي في الموقع يعزز من كفاءة التنفيذ، ويضمن الالتزام بالمواصفات، ويصنع بيئة عمل أكثر انضباطًا وثقة.