في عالم يموج بالتحولات السريعة – من ابتكارات الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة، إلى تقلبات الأسواق والسياسات – أصبحت إدارة التغيير مهارة جوهرية لا غنى عنها لأي قائد. النمو المؤسسي لم يعد عملية مستقرة، بل دورة متكررة من إعادة بناء العمليات، تأسيس الأقسام، تطوير المنتجات، ودخول أسواق جديدة. وسط هذا المشهد المتقلب، يواجه القادة تحديًا مصيريًا: كيف يقودون التغيير دون الوقوع في فخ "البطل الأوحد"؟
فخ البطل يحدث حين يرى القائد نفسه المالك المطلق للتغيير وصاحب الفضل الوحيد فيه. قد يبدو ذلك طبيعيًا في البداية، فالقائد غالبًا هو من يقف على المسرح، يتلقى المديح أو النقد، ويشعر بالملكية النفسية للمبادرة. لكن المشكلة أن هذا السلوك يعزل الفريق، ويجعل النقد تهديدًا شخصيًا، ويغلق الباب أمام الأفكار البديلة. النتيجة؟ مبادرات تغيير تفشل رغم حسن النوايا.
كيف نتفادى فخ البطل ونقود التغيير بذكاء جماعي؟
من تجارب مؤسسات حول العالم، تظهر ثلاثة مبادئ أساسية يمكن أن تصنع الفارق:
1. ابنِ ائتلافًا من الخبراء قبل أن تختار الحل
غالبًا ما يكوّن القادة فرقًا بعد أن يقرروا مسار التغيير، فيختارون مؤيدين للحل بدلًا من خبراء في المشكلة. الذكاء الجماعي يبدأ من جمع أصوات مختلفة:
- التقنيون: يفهمون تفاصيل المشكلة بعمق.
- المحللون: يحددون نقاط المقاومة المحتملة ويحولونها إلى فرصة.
- المبشرون: يعرفون الثقافة الداخلية ويترجمون الحاجة للتغيير بلغة الناس.
- الداعمون: يمتلكون السلطة لتوفير الموارد وإزالة العوائق.
ائتلاف كهذا لا يُنتج حلًا أفضل فقط، بل يوزع القيادة ويجعل التغيير مسؤولية مشتركة.
2. لا تروّج للرؤية فقط، بل شارك قصة المشكلة
القادة يميلون لصياغة "رؤية مستقبلية" براقة، لكن ما يحفز الناس فعلًا هو فهم أصل المشكلة. كيف اكتشفناها؟ ما الألم الذي سبّبته؟ وما الفرص التي نهدرها إن لم نتحرك؟
سرد القصة يجعل التغيير إنسانيًا وملموسًا. ففي إحدى شركات الاتصالات، لم ينجح أي خطاب رسمي في حل مشكلة تسليم العملاء بين المبيعات والعمليات، لكن صورة رمزية لعميل "يسقط بين الفريقين" غيّرت وعي الجميع وأشعلت الحل الجماعي.
3. اجعل الثقافة حليفًا لا عدوًا
كثيرًا ما يُفترض أن التغيير يتطلب تغيير الثقافة جذريًا. لكن الواقع أن الثقافة يمكن أن تكون رافعة قوية إذا أعيدت صياغة الرسائل بذكاء.
شركة طاقة، مثلًا، استبدلت أسطولها الضخم من السيارات التقليدية بسيارات كهربائية. بدلًا من مهاجمة ثقافة "السيارة كميزة وظيفية"، ربطت التغيير بقيم المؤسسة حول المنافسة والفوز بعقود جديدة، ووفّرت بدائل تدريجية تقلل التكاليف. هكذا أصبحت الثقافة داعمًا للتغيير، لا عائقًا أمامه.
الدرس الأهم
القائد الناجح في التغيير ليس من يعتلي المسرح وحده، بل من يعرف متى يتراجع خطوة ليتيح للفريق أن يتقدم. القيادة الحقيقية في التغيير هي فن توزيع البطولة، لا احتكارها.
فبدلًا من أن يكون لديك "بطل واحد" يقود التغيير، اصنع فريقًا كاملًا من الأبطال وهنا يكمن سر النمو المستدام.